قانون الإدارة المحلية الجديد ، سلطات اكثر للمحافظ ؟!

قانون الإدارة المحلية الجديد ، سلطات اكثر للمحافظ ؟!

استكمالاً لتحليل مشروع قانون الإدارة المحلية المطروح من قبل لجنة الإدارة المحلية في مجلس النواب و المنتظر اقراره في دورة الإنعقاد الخامسة للمجلس(1).

   سنستكمل الحديث عن الباب الأول في مشروع القانون و بخاصة الفصل الرابع المتعلق بمهام و كيفية اختيار المحافظ، رأس السلطة التنفيذية على مستوى المحافظة. يغطي هذا الفصل الشروط التي يجب أن تتوفر في المحافظ، شروط تعيينه ،اختصاصات المحافظ، علاقة المحافظ بالأجهزة التنفيذية و اختصاصات نوابه و السكرتير العام.

سلطات اكثر للمحافظ ؟!

صدرت تصريحات عن لحد نواب مجلس النواب بخصوص المحافظين و القانون الجديد تتحدث عن توسيع سلطاتهم و تمكينهم من الإشراف و محاسبة فروع الوزارات القطاعية و الشركات القابضة للمرافق في نطاق محافظتهم (2). لو صح هذا التصريح، مع المواد المتعلقة بادوات الرقابة المتاحة للمجالس المحلية التي تصل لأمكانية سحب الثقة من المحافظ و القيادات التنفيذية المحلية الأدنى (3)، فنحن بصدد نقلة نوعية في ملف لامركزية الإدارة المحلية.

لهذا قمت بعمل مقارنة بين مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد و القانون القائم للإدارة المحلية (قانون 43 لعام 1979(4) )  في المواد المتعلقة باختصاصات المحافظ، نوابه ،السكرتير العام و المجلس التنفيذي و وجد ما يلي : 
  • لم يحدث تغيير كبير بالنسبة للإختصاصات المحافظ، نوابه و المجلس التنفيذي حيث استمر اختصاص المحافظ هو الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة ، مرافق الخدمات و الإنتاج في نطاق المحافظة ، بالإضافة إلي المسئولية عن الأمن ، الأخلاق و القيم العامة بمشاركة مدير الأمن مع التنسيق مع وزارة الداخلية في هذه الملفات، يعتبر رئيس لجميع الموظفين المدنيين وكل الأجهزة و المرافق المحلية في ما يتعلق باختصاصه ( بالنسبة للموظفين المدنيين ، يحق للمحافظ اقتراح نقل أي عامل في المحافظة، ابداء الرأي في ترقية و نقل الموظفين، الإحالة للتحقيق، على أن يخطر الوزارة المعنية بقراراته ) . لم يتغير أيضا اختصاص المحافظ في احقية التصرف في الأراضي المملوكة للمحافظة في حدود الإجراءاات و القواعد المنظمة و اخيراً تولي المحافظ اختصاصات وزير المالية في الشئون المالية الخاصة بالموازنة و اوجه الصرف على مستوى المحافظة.و استمر اختصاصات النائب هي مثل اختصاصات نواب الوزراء و اختصاصات المجلس التنفيذي كما كانت في القانون القديم من اعداد مشروع الموازنة، اشراف على عمل الأجهزة التنفيذية،وضع القواعد العامة للتصرف في الأراضي المخصصة للزراعة و مشاريع التنمية العمرانية، معاونة المحافظ في وضع الخطط المالية و الإدارية اللازمة لإدارة شئون المحافظة
  • التغييرات في مشروع القانون الجديد مقسمة إلى تغييرات شكلية و اجرائية و لا  ترتقي لتغييرات جوهرية تسهم في زيادة صلاحيات  المحافظ، فتغييرات مثل تولي المحافظ مسئولية حماية حقوق الإنسان بالمحافظة، تعيين من يدير الأجهزة المحلية بصفة مؤقتة في حالة الكوارث الطبيعية و تحديد بالضبط اختصاصات السكرتير العام للمحافظة لا تعتبر تغييرات كبيرة .
  • يوجد ايضا تغييرات مقيدة للمحافظ مثل اجراءات التنسيق مع مدير الأمن و وزارة الداخلية في ما يتعلق بملف الأمن و الرجوع للقوات المسلحة وقت التصرف في الأراضي على حدود المحافظة و المتأخمة لحدود المحافظة.
  • اخر نوع من التغييرات التي يمكن أن نعتبرها زيادة في السلطات هي مثلا التغييرات المتعلقة باعطاء المحافظ سلطة الوزير في ما يتعلق بقرارات الصادرة من مجلس ادارة الهيئات العامة و الشركات القابضة التي تتولى مرافق عامة للخدمات في نطاق المحافظة، اعطاء المحافظ ادوات رقابة و محاسبة للأجهزة التنفيذية المحلية و اعطاءه احقية ابداء الرأي في خطط التنمية المحلية و جذب المستثمرين ، اضافة رؤساء اجهزة تنمية المدن الجديدة لتشكيل المجلس التنفيذي للمحافظة، مما يعتبر خطوة ايجابية في اتجاه ادماج المدن الجديدة في منظومة الإدارة المحلية.
بصفة عامة هذه التغييرات لم تطل جوهر اختصاصات المحافظ و لم تساهم في زيادة تمكينه، اضف إلى ذلك استمرار تعيين  المحافظ  و نوابه من قبل رئيس الجمهورية فنجد أن مركزية الإدارة المحلية مازالت حالة قائمة، على الأقل في حالة الأجهزة التنفيذية للمحافظة.مما يترتب عليه استمرار مشكلة مزمنة في الإدارة المحلية لم يلتفت القانون لحلها و هي غياب و صعوبة التنسيق بين الأجهزة  التنفيذية المختلفة على المستوى المحلي و تضارب و تداخل سلطات الأجهزة التنفيذية المحلية المختلفة. مما يترتب عليها من عجز المحافظ عن ادارة مرافق الخدمات العامة في نطاق المحافظة بطريقة كفئة.

تداخل السلطات و غياب التنسيق !!

#المسيري_لازم_يمشي

في اواخر شهر اكتوبر 2015 ، ضربت نوة شديدة مدينة الإسكندرية ، امطار غزيرة و ارتفاع لموج البحر، مما ادى لغرق شوارع الإسكندرية و ادى لحدوث وفيات ل6 اشخاص نتيجة لسقوط عمود كهرباء في الماء.


مما ترتب عليه سخط و غضب اهالي الإسكندرية من المسئولين المحليين و بخاصة رأس السلطة التنفيذية في المحافظة المهندس هاني المسيري " المحافظ الوسيم" و عبر سكان المدينة عن غضبهم عن طريق صفحات التواصل الإجتماعي و انتشار هاشتاج "#المسيري_لازم_يمشي" . كان هاني المسيري عين محافظاً للإسكندرية في فبراير 2015 في وسط أول حركة تعيينات للمحافظين للرئيس عبد الفتاح السيسي ،حيث حركة التغيير شملت 17 محافظة و طغى على الحركة تعيين المدنيين (3 عسكريين من أصل 17)... و تعيين الشباب ( متوسط اعمار المحافظين الجدد 49 سنة و اصغرهم 38 سنة) (5) . بالفعل تقدم هاني المسيري باستقالته بعد يومين من وقوع الكارثة (6) و نقل رئيس الشركة القابضة للصرف الصحي لمكان اخر ( يعتبر اجراء جزائي في عرف الحكومة!) . لم يتوقف الموضوع عند هذه النقطة و لكن ظهر في اليوم التالي لإستقالة المحافظ فيديو (7) لاجتماع المجلس التنفيذي السابق للكارثة ( بتاريخ 4 اكتوبر 2015) يتحدث فيه المحافظ مع رئيس فرع الشركة القابضة للصرف الصحي و يحذره من أنه متوقع وقوع نوة قوية بنهاية الشهر اقوى من النوات السابقة و يسأل رئيس الشركة القابضة لو يحتاج أي مساعدة او دعم و ما هي حالة الصرف الصحي في المدينة و إن كان اتخذ كل الإحتياطات و كان رد رئيس الشركة أن وضع شبكة الصرف الصحي مستقر و أنهم مستعدون لأي حالة طوارئ و أي نوة!!.
 بنظرة مبدئية لهذا الموقف و طريقة تعامل المسئولين المحليين مع هذه الكارثة، ارصد بعض النقاط :
  • المحافظ كان يطبق القانون فيما يتعلق بمتابعة اداء الأجهزة التنفيذية،حذر من كارثة محتملة،مد يد المساعدة للجهاز التنفيذي المختص.
  • كان يوجد هناك تقصير من المحافظ حيث أنه كان يعرف حجم النوة الكبير الذي يمكن أن يترتب عليه وقوع كارثة و لم يبدي الإهتمام الكافي من التأكد من أن شبكات الصرف الصحي و صرف البحر تعمل بكفاءة استعداداً لهذا الحجم من النوات .
  • المسئول المحلي حاول اظهار أن الوضع مستتب و لا يقدر حجم المشكلة و سارع في اظهار استعدادهم لأي حالة طوارئ بدون اطلاع و دراسة للمعلومات التي صرح بها المحافظ.
  • بصورة عامة لا يبدو أن الشركة القابضة للصرف الصحي و بالتالي المحافظة عندهم جاهزية التعامل مع  حالات الطوارئ
  • لا يوجد سلطة حقيقية للمحافظ على الشركات القابضة ، فالقانون يعطيه الحق بعرض المساعدة و الإطلاع على تقارير الأداء و الحالة الخاصة بالمرافق العامة و لكن لا يعطيه السلطة التنفيذية الكافية للتأكد من هذه التقارير و تفعيل حالة الطوارئ في الأجهزة التنفيذية .
  • يوجد صعوبة في التنسيق بين الأجهزة التنفيذية المختلفة بداخل المحافظة في الظروف العادية، فما بالك بالظروف الإستثنائية و خطط الطوارئ؟!.
الخلاصة أنه بسبب ضعف التنسيق بين الأجهزة التنفيذية المختلفة و تداخل السلطات حيث التبعية الإدارية و المالية لموظفي الأجهزة التنفيذية المحلية هي للمحافظ و لكن التبعية الفنية فهي للوزارة التي يتبعها الجهاز. مما يترتب عليه عدم القدرة على محاسبة المقصرين في حالات الكوارث لتوزع السلطات على اكثر من جهاز و مسئول و صعوبة وجود برتوكولات عمل منسقة بين الأجهزة المختلفة في حالات الطوارئ.

خاتمة

بعد النظر لما حدث في كارثة الإسكندرية و بالرجوع لمشروع القانون الجديد للإدارة المحلية، نجد أن مشروع القانون لم يضف أي جديد لصلاحيات المحافظ فيما يتعلق بالتنسيق بين الأجهزة المختلفة ، إلا في حالة الكوارث الطبيعية اعطاء السلطة للمحافظ في تعيين مؤقت لرؤساء الأجهزة التنفيذية. و لم يضف لأدوات الرقابة و المحاسبة إلا تفصيلة بسيطة متعلقة بامكانية احالة رؤساء الأجهزة التنفيذية المحلية للتحقيق مع استمرار قصور سلطة المحافظ على "اقتراح" نقل المسئول المحلي المقصرو "ابداء الرأي" في ترقية الموظفين و ترك سلطة النقل و الترقية للوزارة التي يتبعها الموظف فنياً ، مما يحد على سلطة المحافظ في ادارة المحافظةو المحاسبة على اوجه التقصير في ادارة المرافق التابعة.

تعليقات